الستينيات و ما ادراك ما الستينيات
قائمة الموقع
فئة القسم
الرد على الاتهامات الموجهة لعهد ناصر [64]
حقيقة اعداء ناصر [17]
قالوا عن عبد الناصر [81]
عبد الناصر الغائب الحاضر [9]
مواقف من حياة الزعيم [33]
عبد الناصر ... حكاية شعب [17]
من مقولات الزعيم [42]
عهد فاروق و الملكية [0]
صندوق الدردشة
تصويتنا
قيم موقعي
مجموع الردود: 25
إحصائية

المتواجدون الآن: 1
زوار: 1
مستخدمين: 0
الرئيسية » ملفات » قالوا عن عبد الناصر

جوانب من: عبد الناصر الإنسان
07.21.2013, 3:11 AM



بقلم : امين خير الدين

فليكن القارئ على بينة .... أنني لا أقوم بدراسة....فالدراسة يجب أن تستوفي كل مقوّماتها: المصادر والمواقف المختلفة، والآراء المتباينة.. وانأ لم استوف، لا المصادر كلها، ولم أطّلع على المواقف المختلفة، ولا الآراء المتباينة.

وليكن القارئ على بيّنة مرّة أخرى، أكثر وضوحا وهي أنني ككل العرب أحببت الزعيم الخالد ، واحترمته لدرجة أنني حاولت قدر المستطاع ألاّ أفوّت كلمة تُذاع من كلماته، وبعد مماته أحببته واحترمته أكثر ، لدرجة أنه لم يفتني واجب قراءة الفاتحة على قبره كلّما وطأت قدماي رض الكنانة ، (وأحببته اليوم بعد مرور أربعين سنة على وفاته، لدرجة نني أرتاح ألآن لموته، على اعتبار أنه إذا كان الموت لا بد منه، فالأفضل ألاّ يرى حال هذه الأمة التي آلت إليه في هذا الزمان)، وسوف لن يفوتني هذا الواجب طالما تطأ قدماي أرض مصر، إنه أقل الواجب تجاه هذا الرجل العظيم، إن له دَيْنا في عنق كل عربي، لأننا في عهده أحسسنا بالكرامة بين الشعوب، وحتى حين كان العرب يُهزمون في المعارك، ما أُهينت كرامة العرب إلاّ قبل مجيئه أو بعد ذهابه، ويكفي الأمّة العربية ما هي عليه من الحيرة والتساؤل عند مواجهة كل محنة مستعصية : أكان مثل هذا يحدث لو كان عبد الناصر حيّاً. ..؟ كيف كان يتصرف..؟ أكان يفعل هذا أو ذاك..؟ أكان الأعداء يتصرفون كما يتصرفون..؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تفلت من الألسنة لتدل عن أنيميا الزعامة، وزعامة الإيدز التي تقود هذه الأمّة، وتعجز عن لمّ كلمتها، وتوحيد صفوفها وإنزال بنادقها المصوّبة إلى صدورها..

في عصره أحسّ العرب بالكرامة بين الأمم، شرقا وغربا، وكان مثارا للعزّة القوميّة، حتى حين كانت الطائرات تقصف البلاد العربية، كان حافز التعلّق به أكثر، كان يخسر العرب ولا ينهزمون

ومع غيره أحسسنا الذلّ والجيوش العربية تحرر أرضها، وعلى سبيل المثال ، كم مرة كان الجمسي في خيمة المفاوضات التي دُقّت أوتادها على الأرض العربية ، يتلقى التعليمات من رئيسه فيدير وجهه ليبكي الكرامة العربية الضائعة، ثم يمسح دموعه ليواجه مفاوضيه

أحببناه وصفقنا له ، وبكيناه ، ولذلك لا عجب إن جاءت كلماتي مغموسة بعاطفتي،وعذرا من قارئي إن شعر بحماسي الكبير لهذا الرجل العملاق، إنسانٌ رقيق، ليّن، بسيط، يكره العنف والقتل، والظلم ويحب العدل، وينصف الجميع، وينام مع عذاب الضمير لمجرّد الإحساس بعدم الارتياح من قرار اتخذه قبل ن ينظر إليه من جميع زواياه.

كُتِب الكثير عنه كرجل سياسة، كظاهرة أثّرتْ في سياسة العالم لفترة ليست طويلة، قاد حركة لا يزال أعداؤه يُصِّرّون على أنها انقلاب، بينما يُجمع التاريخ على أنها ثورة غيرت مسيرة التاريخ، وملامح المجتمع، وتخطّت حدود البلاد، لتترك أثرها في المنطقة بأكملها، تركت إنجازات لا تزال تساير التطوّر العصري بعد مرور أربعة عقود.

لا حد ينكر وجود أخطاء، لكنها تدلّ على العمل، والسير في إطار طبيعة الأمور والحياة،وأي السياسات، وأيّ الدول لم تحدث بها أخطاء، أمريكا، بريطانيا، ألمانيا، زعامة العالم الحر أو واحة الديموقراطية. إن لجان التحقيق في كل من هذه الدول تدلّ على مدى ما وقع في هذه الدول من أخطاء.بعضها انزلاق كبارها في مهاوي الأغراض الرخيصة، جنسية أو مالية، أو شخصية.

ومع ذلك ظلّت إنجازات هذه الثورة، وهذه الفترة، وهذه الظاهرة أكبر من مقاسات السابقين لها واللاحقين لها.

قرانا الكثير عنه كرجل سياسة، كزعيم، كتب عنه الكثيرون، منهم من رفعه، ومنهم من طعنه، وقرانا القليل عن الوجه الإنساني لهذا الرجل، وعن كراهيته للعنف، والقتل، وإحساسه بفظاظتهما.

كان ذلك وهو جندي، عندما لم تكن بيده سلطة، ولم يكن يستطيع أن يؤثر على مجريات السياسة العالمية أو المحلية، عندما دخل على طفلة في مجدل عسقلان ورآها تبكي أبويها اللذين نكبتهما الحرب، فخطرت على باله ابنته، فراح يتساءل مع نفسه أيحدث مثل هذا لابنتي؟

رأى ابنته في محنة غيرها، ورأى نفسه في مكان غيره، فأحسّ بالألم والعطف، وتحركت مشاعره النبيلة.

إنه إحساس لا يحسّ به إلاّ الذي يتمتع بشعور إنساني، يحرّكه وسط المعركة والحروب، كان ذلك عندما كان جنديا، لا حول بيده ولا قوّة، يتلقى الأوامر، وينفّذها، لكن منبع إحساسه لم يتغيّر بتغيّر مركزه.

أحسّ بعذاب الإنسان والجندي وعندما صار في مركز القوّة، كلمته التي تُسمع،ورأيه الذي يُقْبل، وتخطيطه الذي يُنَفّذ، وقف في وجه العنف ليقول : لا.

تحدّى مجلس قيادة الثورة، وتنظيم الضباط الأحرار، ليقول: لا للقتل، لا للعنف، لا للدم.اسمعوا إني أقول لكم إنّ الدم لا يؤدي إلاّ إلى الدم

يخاف الدم، لا خوف الجبناء... غنّما خوف المسؤلين يخاف على البلاد أن تغرق في الدم، خوفه لم يكن للحظة أو ليوم، إنه خوف على المستقبل وعلى التاريخ، وعلى الوطن والشعب.

أيّ ثورة في التاريخ لا تحكم بالإعدام على ملك كفاروق؟؟

إنه فاروق .. الملك الفاسق الذي ملأ البلاد فسادا، واستغلالا، وسخرة، وظلما وذلا

وقف عبد الناصر في وجه العنف يقول:

ما معنى أن نحاكم فاروق ونعدمه، إذا كنّا قررنا سلفا إعدامه، لماذا... لماذا نحاكمه؟

حساب مع النفس، وصدق الحسب مع النفس، والصدق مع النفس أعلى مراتب الصدق وأكثرها شجاعة وأمانة.

لا يريد أن يمثّل على الآخرين، أفرادا أو جماعات أو شعوبا.

استوعب الدرس خالصا. درس الثورة الفرنسية التي التهمت نارها عشرات ألآلاف من أبنائها من اجل تحقيق مبادئها، حين قال: علينا أن نتعلم درس الثورة الفرنسية

وهكذا حين اصطدم برأي الأكثرية التي تريد أن تحاكم فاروق- الملك الفاسد- انسحب هو احتراما لرأي الأكثرية إلى بيته، ليكون جنديا في جيش الوطن فقط، فتعطّلت مبادئه وأفكاره والروح التي وقفت وراء الثورة، وهرع أعضاء مجلس قيادة الثورة وتنظيم الضباط الأحرار، ليلحقوا به إلى بيته، بعد ن احتاروا كيف يسيّرون أمورهم، وليرجونه أن يعود ليكمل المشوار.

ونجا فاروق من الإعدام، ونجا حتى من المحاكمة، وخرج من مصر محمَّلا بما سرقّ حتى في ساعات مرضه، وتعبه الذي يستوجب الراحة لم يهادن العنف، استدعى إليه في مرسى مطروح زعماء ليبيا الشباب بعد أن بدت عليهم الخلافات ليقول لهم:

إن السلطة مسؤولية وليست لعب عيال .. إذا كنتم غير قادرين على حمل المسؤولية فتخلوا عنها....

إيجاز بليغ لحكيم غاية في البساطة. وقبل أن يهدأ للراحة الضرورية، جاءته أخبار مجازر أيلول الأسود في الردن،فقال بعد أن طرد النوم: إننا في سباق مع الموت

لم يهادن العنف والقتل، حتى وهو على سرير المرض، راح يسابقهما حتى انتصر عليهما، وابعد شبحهما عن غيرهن ليسقط هو في مهالكهما.

في السياسة لا يوجد اصطلاح اسمه العفّة، ولكن عظمة الزعيم تقاس إذا استطاع الاحتفاظ بعفته وهو في مركز القوة السياسية.

العفة نوع من صحوة الضمير، وكبح النزوات، والقدرات السلبية الكامنة في النفس البشرية.

كان عبد الناصر يعرف حدوده، وهو رئيس لأكبر دولة في الشرق الأوسط، كان باستطاعته ان يحرك العالم العربي من المحيط إلى الخليج، ويحرك العالم الثالث بقاراته الثلاث، ون يخترق الولايات المتحدة ليحرك جماهيرها هناك، وكثيرا ما اتهموه أنه وراء ما يقع من تحركات شعبية، ولكنه كان ضعيفا أمام الحق، يخضع له، ولا يجادل به، كان يقول:

لا اتخذ قراري إذا انفعلت...وإذا أحسست بذلك – أنني منفعل-فغنني أنام على قراري

كان ضعيفا أمام الحق، لكنه كان قوي الإرادة، قادرا على كبح عواطفه، إنه إحساس متطور بالمسؤولية التي تتخذ من نفسها على نفسها رقيبا.

من الحقائق التي آمن بها، وعمل بها حتى أصبحت سلوكا حياتيا قوله:

إن الإرادة لدى الإنسان وليدة عوامل قديمة وحديثة، تفاعلت بعد توارثها في النفس البشرية، وهذا التفاعل جعل إرادة الإنسان ملوثة مما حدا به الابتعاد وراء إرادته وكان يسأل نفسه:

لماذا أريد هذا..؟ ما هي أسبابه..؟ ما هي عوامله..؟ وما هي دوافعه ونتائجه..؟

أسئلة حساب مع النفس قيل الإقدام على تحقيق رغبة الإرادة إيمانا منه بقوله تعالى:

وما أبرئ نفسي..إن النفس لأمّارة بالسوء..

ما روعه من إيمان، وما أروعها من أمانة ، وما أطهرها من نفس

كان يحسب حساب نفسه قبل حساب خصومه

*****

أراد ان يمنح ما يستطيع ليسعد شعبهن آلمه عجزه عن إدراك ما صمتوا عنه، واعتبر صمتهم، واعتبر عجزه عن إدراك ما وراء صمتهم كارثة

قاد سيارته مرة على طريق برج العرب غرب الإسكندرية، وتوقف عند عمال التراحيل الذين يعملون على جانبي الطريق، نزل إليهم، ووقف وسطهم، وتحدث معهم.

كل شيء عادي، يحدث مع اي وزير او رئيس. وعندما عاد إلى سيارته قال لرفيق دربه محمد حسنين هيكل:

هؤلاء هم الغالبية في مصر، ما في القاهرة واجهة.. الكارثة آن هؤلاء الذين نريد أن نعمل من أجلهم..لا يصلهم صوتنا.. لا يقرؤون جريدة ولا يملكون راديو أو تلفزيون..كيف الوصول إلى هؤلاء ..؟ لا اعرف..

وصمت وطال صمته بعدها

والصمت أحيانا أبلغ من الكلام تعبيرا عن الآلام.

كارثة أن يعجز عن الوصول إلى أعماق الناس ليحسّ بمشاكلهم، ليقدم ما يحتاجونهن وعندما يعجز يصمت..ويطول الصمت الصارخ كان يخرج ليتفقد الناس وأحوالهم، الفقراء منهم والبسطاء تعرّف عليه مرة بائع فُلٍّ، سلّم عليه الرئيس من داخل السيارة ... وإذا بالرجل يضع بين يديه كل ما يحمل من فُلٍّ، ويقسم أنها هدية بدون مقابل ، فنظر الرئيس إلى هيكل الذي كان يجلس بجانبه نظرة ذات معنى، فوضع هيكل يده في جيبه ولم يكن معه أكثر من خمسة وستين قرشا... يقول هيكل: أعطيتها للبائع بعد طول امتناع، وبعد أن تحرّكت السيارة، سألني الرئيس عن المبلغ، فأخبرته به، فتأثّر كثيرا وهو يقول: ظننتك ستعطيه خمس جنيهات لا عدة قروش لا تكمل جنيها.

أراد أن يعطي المزيد، والمزيد بدون حدود... لكن الحدود تفرض نفسها، والقدرات والإمكانيات لها حدودها...لم يسمح لنفسه بتجاوز تلك الحدود. النفس أمارة بالسوء لا خوفا، إنما سلوكا عاديا، يوميا، طبيعيا كسلوك الناس البسطاء الذين لم يختلف عنهم في أسلوب حياته أو مأكله أو مشربه

لم تدخل اللحمة بيته اكثر من ثلاث مرات في الأسبوع، مع انها كانت في متناول طبقة لا باس بها من الشعب.

سعى وراء البساطة في كل شيءن ككل الناس، لنفسه لأهله، لمن حوله،ولكافة الشعب.

مات وحذاؤه عند الاسكافي ليضع له نصف نعل(11)

عامل عمه وإخوته وأولاده وأباه كما يعامل كل الناس. لم يساعد أخاه مصطفى بالالتحاق في الشرطة لأنه لم يستوف الشروط، غضب والده وأكّد أمام الجميع انه لن يبيت في بيت جمال،وخرج غاضبا، وظل جمال الابن والرئيس صامتا، وبعد دقائق طلب من محمد أحمد أن يلحق به.. وبعد استرضاء وافق الأب ان يرجع شرط أن لا يبيت في دار جمال.

إنها البساطة الحقيقية المنعكسة من السلوك البسيط البعيد عن الزيف والتصنّع.

بعد إحالة عمّ الرئيس إلى التقاعد عمل في تجارة الفحم، وذات يوم قابل مليونيرا عربيا، وهذا قدّم له بعض الهدايا، علم الرئيس بذلك فغضب وأوقف عمّه حتى تمّ تفتيش داره، واستكمل التحقيق معه

فصل شقيقه الليثي من الاتحاد الاشتراكي عندما علم أنه يسيء استغلال النفوذ

الحق ابنته في الجامعة الأمريكية على حسابه ، عندما لم تحصل على المجموع الذي يؤهلها لتتعلم على حساب الدولة ككل شباب مصر الناجحين

كان دائما يحذر أولاده وزوجته من حياة البذخ والترف، لدرجة، أنه عندما كانت زوجته الجليلة تطلب شيئا، كان يقول لهه برقّته الباسمة التي كانت نعومتها تنطوي على الحزم:

الله..جرى إيه يا مدام.. أنتي نسيتي؟

وهي بدورها كانت تقول لأولادها : لا تنسوا كلام أبيكم ما نحن فيه ليس مُلكنا، لكنه عهدة للدولة.. وان المقعد الذي نجلس عليه والطبق الذي نأكل فيه ، وكل ما نستخدمه ونراه حولنا مُلك للدولة وعهدة ميريةإنه أصدق سلوك، مع أبنائه، وزوجته، إبنه أو ابنته عن أي شاب أو من شباب مصر. عملت ابنته هدى بسكرتاريته بمرتب دره ست وثلاثين جنيها ، وعمل زوجها في مركز الأهرام بمرتب وقدره مائة جنيه، وعملت ابنته منى في الأهرام بمرتب وقدره ثلاثون جنيها، وعمل زوجها في سكرتاريته بمرتب وقدره اثنان وثلاثين جنيها.

شاب من شباب مصر.

عملت ابنته هدى بسكرتاريته بمرتب قدره ست وثلاثين جنيها ، وعمل زوجها في مركز الأهرام بمرتب وقدره مائة جنيه، وعملت ابنته منى في الأهرام بمرتب وقدره ثلاثون جنيها، وعمل زوجها في سكرتاريته بمرتب وقدره اثنان وثلاثين جنيها.

هذا في وقت كانت أبواب مصر كلها مستعدة لتفرش الورد تحت أقدام أبناء عبد الناصر.

ومع ذلك تطاولوا على أمانته، واتهموه بها مع حرصه الشديد، وصفوه بتهريب الأموال والرشاوي، واستغلال النفوذ، اتهموه بخمسة عشر مليون دولار تبرع بها الملك سعود واقرضها لمصر، فقالوا إن عبد الناصر اتخذها لحسابه الخاص، فتشكلت لجنة تحقيق خاصة، وأبرزت وثائق الدولة الرسمية، ومؤسساتها المصرفية، ما يثبت، بغير شك، أن تبرع الملك سعود بخمسة ملايين دولار ظل موجودا في حساب التبرعات الذي يشرف رئيس الجمهورية على صرفها ، وأن الحساب انتقل من إشراف عبد الناصر إلى إشراف أنور السادات بعدما تولّى المسؤولية.

ثم أن الملايين العشرة من الدولارات التي قدّمها الملك سعود قرضا لمصر، جرى توقيع الاتفاق بشأنها ، وجرى التصرف بها بواسطة وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ووزارة الخزانة، والبنك المركزي المصري، وأنها دخلت ميزانية الدولة، وتحركت في إطار مطالب الدولة، وبواسطة أجهزتها الرسمية.

وكل ما تركه اربعة الآف جنيه، منها ألف وخمسمائة بقيمة بوليصة تأمين، عقدها قبل ذهابه إلى حرب فلسطين، ثمّ الفين وأربعمائة جنيه رصيد حساب في بنك مصر باسمه شخصيا، وفي مقابل ذلك، وُجِد مدينا بحوالي ستة وعشرين ألف جنيه، تكاليف بناء بيتين،لكل واحدة من بناته، تسكن فيه عند زواجها، قام بذلك تعويضا عن تقصيره بحق الأسرة كلّها، لانشغاله عنهم بأمور السياسة.

ويقول صلاح الشاهد، كبير أمنائه : جاءت إلى عبد الناصر هدية عبارة عن حقيبة أرسلها المليونير السعودي حسين الشر بتلي، فحملها إلى الرئيس الذي فتحها بحضوره، وكانت المفاجأة أنها تحتوي على مجموعة نادرة من المجوهرات، وذُهل عبد الناصر، وبهدوء حاسم قال لصلاح الشاهد:

شيلها من قدامي، بسرعة جدا، وابعثها له على طول

وردّ صلاح الشاهد :

-يا أفندم ما فيهاش حاجه، كل الرؤساء بيقبلوا هدايا.- يا صلاح شيلها وابعثها له فورا، هدايا إيه ..وليه..؟

وأعيدت الحقيبة بما تحويه لمُرْسلها

كثيرون هم الرؤساء الذين تلقوا هدايا، وكثيرون هم الذين يتلقون، ريغان، وبوش، والسادات وشاوشيسكو... وغيرهم، والقائمة طويلة .

إنه عملة نادرة، ومعدن نادر، لمع في فضاء هذه الأمّة، وانطفأ بسرعة، لتبقى ملايينها تعيش الظلام والظلم، تختبئ خلف مطامعها، وأنانياتها، وشهواتها وكوابيس أغراضها الشخصية.

من بعده لا يحبذون إلا الركوع أمام الكراسي، وفي مخادر البغاء ، في ساحات الملوك، وتحت صنادل النساء.

ظن آيزنهاور أن النظام المصري يساير السياسة الأمريكية فوضع ثلاثة ملايين دولار، تُصرف سرا في أي واجهة تراها القيادة المصرية ضرورية لأمنها، وأحدث هذا التقديم دهشة عند عبد الناصر، فوجّه المبلغ لبناء برج القاهرة الذي يقابل الهلتون، ليرتفع البرج رمزا عاليا يشير لسخافة السياسة الخفية الأمريكية، والتي يُروى أنها كانت تضع مبالغ طائلة تحت تصرّف الذين يتوفر لديهم الاستعداد لمسايرتها، وعلى سبيل المثال لا الحصر الجنرال ثيو رئيس فيتنام الجنوبية الذي كان يحصل سرّا على مئة مليون دولار توضع تحت تصرفه بترتيب خاص مع الرئيس الأمريكي.

إنه ثيو .زلا عبد الناصر

زعماء الحزب الديموقراطي الإيطالي، وليس عبد الناصر

إنهم كثيرون، لكن عبد الناصر ليس منهم

إنهم يفتقرون لحساب الضمير وهو- عبد الناصر-الضمير بعينه، والأمانة والمسؤولية.

إنهم يفتقرون لعبد الناصر، وكثيرا ما قالوها ليته أمريكي

يظن البعض أن رجل السياسة في مركز المسؤولية معفي من بديهيات القيم، لكن العظمة ، عظمة الإنسان في اجتماع بديهيات القيم مع السياسة التي تتخذ القرارات، في شخص واحد، والبطولة في مواقف هكذا زعيم، تظهر في مقدار استعداده لتحمّل المسؤوليات كاملة، وعدم تجزئتها لامتصاص خطورتها.

كان يكفيه عام 67 أن يُعِدَّ بيانا يُقْرا على موجات الأثير عندما يكون في طائرة على جناح الأثير أيضا خارج الوطن.

لم يفعل.ووقف يتحمّل المسؤولية، والمعركة حامية، والنكسة في أشدّها، لم يقبل تجزئة المسؤولية ، ورفض ان يقول : أتحمل نصيبي من المسؤولية، بل أصرّ أن يقول للشعب: إني أتحمّل تاريخيا المسؤولية كاملة

ليس نصيبه فقط إنما كلها، وليس ليوم أو لشهر، إنما على مدار التاريخ ، خلال رئاسته، وبعد رئاسته، في حياته، وبعد حياته،وهو عملاق، وعندما يقع وتُسَنّ من حوله السكاكين، تحمّل المسؤولية، ووضع نفسه في محكمة الشعب، وإمام الشعب خطا خطوته الأولى عندما استقال، ليتسنى للشعب أن يخطو الخطوة الثانية، وينفّذ ما يرتئيه من أحكام، ويقول كلمته .

قال الشعب كلمته.

أيّ الملوك فعلها؟ أي الرؤساء ، أيّ الأمراءّ؟؟

إنه عبد الناصر أحد الأنبياء الذين عشنا أيامهم لنرى من خلف المسافات، كيف يكون الأنبياء، كيف يتكلمون، كيف يصمتون، وكيف يبكون.

حمل وزر مَن حوله من ظلم وكبت للناس واحتجاز للحريات.

مسؤوليات كانت كافية لتهد ابا الهول، لكن عبد الناصر تحملها وقبلها وهو منها بريء.

ما معنى أن نحاكم فاروق إن كنّا سلفا قررنا إعدامه؟؟

أتحمّل المسؤولية كلها، وأستقيل، وعلى استعداد لتقبل أيّ حكم تنزلوه بي

عاتبه هيكل مرة قائلا: وصل عدد المعتقلين خمسمائة في الشهر الأخير

أجابه عبد الناصر: لقد وصلوا سبعمائة –مع الأسف- وأنا اعرف- ولكن ماذا فعل، لقد كان بين خطط التنظيم السريّ الذي قُبِض على قادته خططا بنسف كباري وجسور، وافقت على الاعتقالات لأنني لا أستطيع أن أقبل بنسف الجسور والكباري، ثمّ أن البلد لا تتحمل أحكام المسدس

كان عليه أن يختار بين اعتقالهم والتحقيق معهم أو بين نسف الجسور والدمار والقتل وسفك الدماء.إنه كغيره من رؤساء الدول والحكومات، ليس مسؤلا عمّا يتمّ من انحرافات وتجاوزات وصغائر الأمور خلال التحقيق، وإن كان عليه أن يمنع ويقدم للعدالة المخططين للتخريب والقتل، وهو آسف على ذلك، أيّ بلاد ليس فيها معتقلين سياسيين وإداريين وآمنين، في واحة الديموقراطيةيحاكمون الضحية ويتركون المعتدي، في واحة الديموقراطيةيهدّون البيت، ويشردون العائلة، من شيوخ وأطفال ونساء أبرياء، لأن أحدا من البيت ضرب حجرا، في واحة الديمقراطية أفتل عربيا تنهال عليك النياشين والأوسمة والترقيات، أيّ ديموقراطية تحاكم بريئا بتهمة شخص آخر؟؟ في بلاد تدّعي الديموقراطية عدد السجون يزيد عن عدد الجامعات فيها بكل فروعها

أغلقوا أفواه الصحافة، وخنقوا الكلمة الحرة، واتهموه بخنقها، خاف الكتّاب فصمتوا واتهموه بخوفهم، أكرمهم وقلّدهم القلائد والجوائز، وتحمّل مسؤولياتهم لدرجة أنه قام من أجلهم بأعمالهم، شجّع الكتّاب وقلدهم جوائز الدولة، وجوائز النيل تشجيعا لكلمنهم الحرّة المنيرة، ومع ذلك اعتبروا ذلك ظلما، استيقظوا من وعيهم ليغوصوا في غيبوبتهم، عرض توفيق الحكيم قصة بعنوان بنك القلق على هيكل وهو يقول:ليست للنشر ، لتقرأها فقط عبارة تثير السؤال: لماذا توفيق الحكيم أحد عمالقة الكتاب يكتب قصة ويقدمها لتقرأ دون أن تنشر؟؟

قرر هيكل نشرها، ونُشِرت، وصدر الفصل الأول منها، وقامت القيامة، واتصل عبد الناصر بهيكل يقول لهيكل لم أقرا القصة، ويطلب منه المجيء لقصة ليقرأها.

ويقول هيكل: ذهبت، وكان عبد الحكيم عامر موجودا، ولم أكد ادخل حتى ثار عبد الحكيم، وهاجم القصة وطلب وقف نشرها، وذكر أسماء رجال أقوياء غاضبين، وأمسك عبد الناصر بالقصة.

وقال لعبد الحكيم:انتظر حتى أقرأها...وفرغ عبد الناصر من قراءتها ثم قال: إنها قاسية.

وقفز عبد الحكيم قائلا: يجب وقف نشرها.

ورد عبد الناصر: إن توفيق الحكيم استطاع بالعهد الملكي أن ينتقد المجتمع المصري في كتاب يوميات نائب في الأرياف، ولا أتصوّر أنه في عهد الثورة لا يستطيع أن ينتقد ما يراه مستحقا للنقد في حياتنا.

ونُشرت القصة كاملة حلقات بعد حلقات، وكان توفيق الحكيم بكامل وعيه، كما قرأناه في مؤلفاته العديدة، في حياة عبد الناصر، وتحت رعايته، ومع تصدّيه للأقوياء.

أما بعد موت عبد الناصر(فزاد وعي توفيق الحكيم) لحد انه نسي قصة القصة، التي نُشرت على حلقات

لم يكن صاحب الوعي العائد الوحيد الذي أكرمه عبد الناصر، إنه أكرم رجال الدين من مختلف الأديان، في سنوات الستين الأولى بيديه وضع حجر الأساس لكنيس يهودي في القاهرة، حين كان في أوج قوّته، وفي أوج صراعه مع إسرائيل، رأى في يهود مصر مواطنين مصريين في كل أمور الحياة، لا يختلفون عن مسلميها أو مسيحييها.

أكرم الشيخ الباقوري والمحسوب على الأخوان،أكرم المسيحيين في مصر، ولم يفرّق، ولم تطفُ في أيامه على سطح الأحداث خلال فترة حكمه علامات الطائفية والانقسام التي تعيشها مصر بعد انفتاحهاواستعادتها للديموقراطية.

هذه جوانب قليلة من إنسانيات عبد الناصر،الكثير الكثير منها منشور في باطن الكتب والمجلات والصحف، والكثير من هذا الكثيرلم تصله أيدينا، ولم نقرا عنه.

ولكن مما لا شك فيه أن الإنسان فيه كان أكبر من السياسي أو القائد.

ومما لا شك فيه أن الإنسان فيه انتصر على الرئيس فيه،وعلى القائد، وربما من هنا كانت عثراته في عالم لا يتعامل مع الإنسان بقدر ما يتعامل مع السياسة التي لا تعترف بقيم ولا بمبادئ.
الفئة: قالوا عن عبد الناصر | أضاف: gamal
مشاهده: 413 | تحميلات: 0 | الترتيب: 0.0/0
مجموع التعليقات: 0
الاسم *:
Email *:
كود *:
طريقة الدخول
بحث
أصدقاء الموقع
  • إنشاء موقع مجاني
  • منتدى الدعم والمساعدة
  • افضل 100 موقع
  • Facebook
  • Twitter
  • مقالات تقنية
  • Copyright MyCorp © 2024استضافة مجانية - uCoz