تطل الذكرى السنوية لرحيل رمز المقاومة الوطنية اللبنانية المناضل مصطفى معروف سعد "أبو معروف" في 25 تموز . ويترسخ في كل عام قدر هذا المنزل الذي فتحت أبوابه للشهادة بدء بـ "أبو الفقراء" معروف سعد مروراً الى ناتاشا وصولاً الى مصطفى ـ إبن الشهيد ووالد الشهيدة، الذي كانت حياته مليئة بالتحولات الكبرى والتي دفع ثمن مواقفه الوطنية الغالي والنفيس.
في العاشر من شباط 1951 ولد مصطفى سعد، هو الثاني في عائلة تضم خمسة أولاد "منى البكر وجميلة الثالثة توفيت منذ سنوات، يليها الدكتور أسامة الذي يتولى رئاسة "التنظيم الشعبي الناصري" ووفاء هي شقيقته الصغرى متزوجة من الدكتور عادل القاضي.
وله شقيقة هي شهناز من زواج ثانٍ لوالده، فوالدته شفيقة البزري توفيت عام 1957 وهم صغار وعاد والده الشهيد معروف وتزوج من لطيفة قطيش ورزق منها ابنتان شهناز ورلى لكن الأخيرة توفيت في حادث سير على طريق باتر ـ جزين في سن الثالثة عشر وهو فقد ناتاشا في العمر نفسه (مواليد 8 ابريل 1972) ولم يعلم بوفاتها إلا بعد شهرين حيث كان يعالج وزوجته لوبا في أميركا، وما زالت صورها تملأ البيت وخصوصاً صورة لها أمام شجرة الميلاد التقطت لها قبل أسابيع من إستشهادها وهو أعاد تسمية ابنته الصغرى مواليد 24 شباط 1987 ـ ناتاشا، واطلق إسمها على مدرسة ابتدائية في صيدا.
درس مصطفى سعد في عدة مدارس لبنانية الى أن سافر الى موسكو حيث تخصص في الهندسة الزراعية وتعرف على زوجته الروسية الشابة لوبا التي إقترن بها اثناء دراسته عام 1973 وأنجب منه أولاده الاربعة "معروف وناتاشا " الشهيدة" ونديم وناتاشا.
لوبا والذكريات
وتستعيد لوبا ـ "أم معروف" ذكريات السنين مع زوجها التي ما زالت تعيش في منزله في صيدا الى جانب الاولاد محطات رئيسية قلبت حياتها الزوجية رأساً على عقب، الأولى يوم إغتيال والده النائب السابق معروف سعد على رأس تظاهرة عمالية ضد شركة "بروتيين" عام 1975 حيث اضطر مصطفى الى قطع دراسته والعودة الى لبنان في الرابع من اذار وكان والده لا يزال في حال الخطر، في السادس منه استشهد وفي السابع شيّع، فتحمّل منذ ذلك الوقت مسؤولية العمل السياسي والشعبي ليجد نفسه ينخرط تدريجياً في الحياة السياسية وبسرعة، خاصة مع نشوب الحرب الاهلية اللبنانية رغم ان معروف سعد كان حريصاً الا يتجه أولاده الى العمل السياسي.
وتقول لوبا منذ ذلك الوقت لم يعد مصطفى يجد الوقت الكافي لقضائه مع العائلة، كنا ننتظره كثيرا ولا يعود لإنشغاله الدائم، وقد تحملت العيش في لبنان حبا لعيون مصطفى وقناعة بخطه الوطني، لم يكن لنا وقتا خاصا فالمنزل كان للعائلة ومكتبا ويقصده الناس في اي وقت في أناء الليل واطراف النهار ليعرضوا مشاكلهم على "ابو معروف" الذي كا يستقبلهم بلا مواعيد وابتسامة كبيرة.
الإجتياح الاسرائيلي
أما المحطة الثانية فقد كانت الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 حيث قاد "أبو معروف" غرفة العمليات المشتركة لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي قبل أن يغادر مكرها لبضع أشهر الى البقاع ويعود ليفاجأ الاسرائيليين بعودته ويرفض الانصايع لاوامرهم.
وتقول لوبا "ما زلت أتذكر يوم إقتحم جنود الاحتلال الاسرائيلي منزلنا بعد عودته، فتشوه وطلبوا من مصطفى التوجه معهم الى السراي الحكومي، حيث مقر الحاكم العسكري وأرادوا ان يكسروا هيبته، وطلبوا منه الصعود في جيب عسكري، فرفض بإصرار.
أضافت "ام معروف" لقد شكل مصطفى مظلة للمقاومة الوطنية وحمى الكثير من المقاومين الذين كانوا ينفذون العمليات ويختبأون في المنزل دون أن يعلم أحد سوانا، فأقوم على خدمتهم وتوفير الطعام والشراب لهم "كنت أحيانا الف السندوشات لهم"، قائلة "كل يوم صباحا، كان مصطفى يسألني قبل ان يشرب فنجن قهوته ومنزلنا مواجها للسراي الحكومي، هل نزل العلم الاسرائيلي عنها ورفع العلم اللبناني مكانه قبل ان يردف "لقد بات الوقت قريبا".
محاولة الاغتيال
أما المحطة الثالثة والاهم في حياته، فقد كانت في محاولة اغتياله في مساء الحادي والعشرين من يناير 1985، حيث غيرت ثوان مجرى حياته، ذاك الاثنين كان مصطفى سعد في المنزل مع العائلة، ناتاشا ابنته الكبرى في غرفة الطعام تدرس، ولوبا زوجته تجالس بعض الاقرباء في زاوية من الصالون، فيما "أبو معروف" يجالس آخرين في الزاوية الثانية من الصالون المواجه لدار المبنى الذي يقطن طبقته الأولى كان معروف يضج كثيراً فطلب منه والده أن يدخل إلى غرفته ويلعب هناك وكان نديم ابن الاشهر الثمانية نائماً في سريره، وما هي إلا لحظات قليلة حتى دوى انفجار هائل تبين تبين انه عبارة عن سيارة مفخخة وضعت تحت شرفة المبنى، كانت الساعة السادسة والنصف إلا خمس دقائق، بعدها بدقائق تغيرت كل المعالم، معالم البشر والحجر.
تقول لوبا بحزن وحسرة، فقد مصطفى نعمة البصر، ومعه فقد أيضاً ناتاشا، نجا معروف بفعل ضجيجه وذهابه الى غرفته وأصيبت في وجهي وفقدت إحدى عينيي ولا تزال أثار الإصابة بادية حتى اليوم ، وقد أصرّيت بعد الحادثة على أن يعود كل شيء الى ما كان عليه، أعيد ترتيب المنزل كما كان سابقاً تماماً، ولم يدخل أي تغيير، فإذا به في ذاكرته كما كان قبل أن يفقد عينيه، ولم يكن ليستعين بأحد للتجوال في المنزل أو الانتقال من حجرة الى أخرى الا نادراً.
المرض والرحيل
اما المحطة الرابعة، فقد كانت في مرضه ورحيله، وبينهما لم يقطع مصطفى سعد الامل يوماً في ان يصل الطب الى جديد، فيبصر ثانية، كان دائم الاطلاع على أحدث الدراسات والاختبارات العلمية في مجال طب العيون، فاذا بالقدر ثانية يحمله على تحويل اهتمامه لدراسات واختبارات من نوع آخر، اشد الماً ومرارة ، إكتشف "ابو معروف" ان داء عضالا يتنفس من رئتيه، فاذا به يسلك درب الجلجلة راضياً بإمتحان الله.
وتؤكد لوبا "أن مصطفى كان يعطينا المعنويات، عندما تبلغ النبأ، دعانا الى إجتماع عائلي طارىء، أقفلنا الباب على أنفسنا، وقال تعلمون أن هذا المرض يمكن ان يشفى منه الانسان ويمكن لا، اريد منكم ان تكملوا تعليمكم وتديروا بالكم على بعضكم البعض وعلى أمكم، وكأنه يخط وصيته شفاهة، قبل الرمق الاخير من حياته كان يشعر انه سيعيش، معنوياته مرتفعة الى اناسلم روحه الى بارئها في 25 تموز تاركا بيت الشهادة مفتوحا على مصراعيه.
وأضافت: لقد شاركت مصطفى حلو الحياة ومرها ولو عاد الزمان الى الوراء وخاطبته مجددا لقلت لهو ان كل شيء قد تغير، وهذا ما أفعله بين الحين والاخر حين أزور ضريحه، أصلي له، ان الرجال الذين يخلقهم الله مثلك قلة، سابقى احافظ على مسيرتك ونهجك مهما طال الزمن.
